فصل في الحكاية الأزوادية ..
17 يناير 2012 ، علامة متجددة وفارقة في الصراع العسكري بين أزواد ومالي ، حيث كان هذا التاريخ يُمثل بدء العمليات العسكرية الأزوادية تحت ما سماه الثوار الأزواديين بالكفاح المسلح لتحرير أزواد باعتبار جيش مالي وإدارتها محتلة لأزاود .
وقبل هذا التاريخ بأكثر من عامين وتراكما للأزمة والنزاع التاريخي إلا أنه بدأت النذر بتجدد الصراع نتيجة مؤشرات يمكن تلخيصها في :
- الاحتقان الشعبي داخل شعب أزواد خصوصا في كيدال ، حيثُ سيّرت مسيرات حاشدة داخلها ووقعت فيها مواجهات عنيفة مع شرطة مالي التي قمعتهم وواجهتهم بالسلاح .
- تزايد العسكرة والتجييش من قبل مالي التي زادت قواتها وتسليحها في قواعدها العسكرية التي شيدت على أراضي أزواد ، وقد شيدت الدول الغربية هذه القواعد في أزواد بهدف محاربة ماسمي بالارهاب ولكن مالي استخدمتها في قمع الأزواديين حيث تم اعتقال عدد من النشاطين الأزواديين وأيضا تصفية بعضهم .
- تجاهل الرسائل والعرائض من الحركة الوطنية الأزوادية التي أسست مكتبها السياسي نوفمبر 2010 في تينبكتو المدينة التاريخية في أزواد ، وركزت في مطالبها حينه على تسوية سياسية سلمية مع مالي ، ووجهت رسائلها لكل الأطراف الضالعة في القضية وقُبلت بتجاهل تام أو بوعود غير فاعلة .
- تزايد نشاط الجماعات القاعدية في المنطقة نتيجة ترك جيش مالي لها الحرية في التحرك وممارسة أنشطتها بعيدا عن الرقابة وما وصفه البعض الآخر بالتواطؤ المباشر بين هذه الجماعات وبين القصر الرئاسي في باماكو الذي اعتبر كوسيط للافراج عن الرهائن الغربيين وحصل فيها على نسبة معتبرة كما سربت هذه الجهات .
- تزايد نشاط مليشيات جيش مالي التي تم تجنيدها لصالح جيش مالي داخل أزواد، بهدف قمع أي مطالب ثورية وبهدف التأليب وقطع الطريق أمام أي تجدد للثورة .
- تزايد النشاط العابر للصحراء في التهريب وتجارة المخدرات التي تقودها المافيات المقربة من الجنرالات في جيش مالي ومن السياسين في باماكو في مقدمهم زوجة الرئيس حينها .
- عودة المقاتلين "الأزواديين" الذين تم تجنيدهم سابقا "في معاهدات بين القذافي وأنظمة الجوار" داخل جيش "الجماهيرية الليبية" حينها ، وبعد انطلاق الثورة الشعبية الليبية عادت هذه الكتائب "من الطوارق والعرب الأزواديين" بما استطاعت حمله من سلاح إلى أزواد .
هذه المؤشرات جميعا في اقتراب تجدد المواجهات أمام التجاهل العالمي وأمام تغييب حقيقة مايجري في أزواد وفي ظل تكتم تام .. جعلت كثيرا من الأزواديين يُعبر عن تصديق نبؤته بالاستعداد لرحلة اللجوء المرّة والمعتاد عليها مرة تلو مرَة !
فيديو إحدى المظاهرات الأزوادية في2011
بين الإرهاب .. والثورة
بعد عام من إعلان الحركة الأزوادية لرؤيتها وتطلعاتها بعد تأسيسها ، .. نشرت بيانها في 20 يناير 2011 .. الذي يُعبر عن المشروع السياسي الأزوادي ومعتبرة نفسها الكيان الأنسب لتلبية المطالب والتطلعات السياسية للشعب الأزوادي.
البيان الأزوادي حينه كان مغزاه الحقيقي هو "إبعاد الخلط وتداعياته الخطيرة الذي يتعمده إعلام فرنسا وإعلام مالي ، في الخلط بين نضال الشعب الأزوادي المشروع ، وأنشطة القاعدة في المغرب الإسلامي"
حيث أن البيان ذكّر بأهم الحوادث التي تنفي العلاقة بين نضال الشعب الأزوادي وأنشطة القاعدة وفي مقدمتها :
- العمليات المضادة للقاعدة التي قادها التحالف الديمقراطي من أجل التغيير 2006 ومن نتائجها مقتل القيادي في القاعدة المكنى أبي حولة .
- اغتيال العقيد لامين ولد بو ، من قبل القاعدة داخل منزله في تينبكتو يوليو 2009.
- اغتيال سيدي محمد أغ الشريف ، من قبل القاعدة في 20 أغسطس 2010
وهو ما لم يعرضه إعلام مالي ولا الاعلام الدولي ، الذي ظلّ يركز دائما على أنشطة القاعدة في المنطقة تحت اسم "منطقة الساحل والصحراء" ومايمثله من تهديد أمني واستراتيجي ، متجاهلا نضال الشعب الأزوادي لنيل حقوقه ..
حديث لأزواديين في أواخر 2009 بعد تضررهم من عدم إقبال السياح
نتيجة عمليات القاعدة في اختطاف السياح ، ورسالة منهم لعودة السياح إلى مناطقهم في أزواد
أزواد .. ساحة مفتوحة
يعتبر أزواد منذ 2006 ومع التمرد الذي قاده أغ باهنقا وعدد من الأزواديين المنشقين عن جيش مالي وبعد الاتفاقيات التي فرضتها الجزائر بصفتها فاعل وضامن ، وفرضها القذافي بوعود التنمية وانسحاب العديد من العسكريين الأزواديين ، أُعتبر أزواد ساحة مفتوحة للعديد من العمليات العسكرية والأنشطة المحظورة ..
منها التدخلات العسكرية الأجنبية المتكررة ..
وقد يعتقد البعض أن التدخل العسكري الأجنبي في أزواد بدأ في 2013 بعد الضوء الأخضر من المجتمع الدولي لفرنسا في التدخل باسم مكافحة الإرهاب ..
في حين وقعت في أزواد عدة تدخلات بعد ما وصف بـ "الضوء الأخضر الذي منحه الرئيس المالي آمادو توماني توري لكل من يريد التوغل في الأراضي الأزوادية تحت ذريعة مكافحة ما يسميه بالإرهاب"
وتضرر الشعب الأزوادي الدائم من هذه التدخلات التي لاتعيره أي اهتمام :
- بدأً من الغارات التي شنتها القوات الموريتانية في سبتمبر 2010 قرب تينبكتو ، ضمن سياق موسع للقوات الموريتانية في هجومها وملاحقتها ضد عناصر القاعدة داخل الأراضي الأزوادي ، وهذه الغارات أودت بحياة امرأتين أزوادتين وخلفت العديد من الجرحى.
- وانتهاء بقدوم وحدات من الجيش الفرنسي إلى مدينة مينكا التي تبعد 350 كلم شرق مدينة قاو ، بعد ان شنت هجوما إلى جانب القوات النيجرية ضد مجموعة تابعة للقاعدة ، هذا الهجوم الذي أفضى إلى مقتل الرهينتين الفرنسيين اللذين كانا قد اختطفا في نيامي في بداية شهر جانفي 2011
إضافة إلى أن أزواد كان ساحة مفتوحة للأنشطة الإجرامية المحظورة والمرتبطة بالمافيا الدولية التي في مقدمتها "تهريب المخدرات" ومنها :
- إنزال أطنان من المخدرات من طائرة بوينغ 727 والتي تم العثور على هيكلها الذي احرق في الصحراء في نوفمبر 2009 بمنطقة تاركنت في إقليم قاو.
- أرتال من السيارات المحملة بالمخدرات و التي يرافقها ويؤمنها أعوان من القوات النظامية لجيش مالي
- مهربي المهاجرين غير الشرعيين
- تهريب السلاح خصوصا مع بداية الثورة الليبية
وكانت كل هذه الأعمال تحدث بمرأى ومسمع الجميع ، ويمكن اعتبارها كشواهد وأدلة على المشاركة والتورط المباشر لحكومة مالي في كل هذه الفوضى !
النداء الأخير إلى دولة مالي
1 أكتوبر 2011 أي بعد 11 شهرا من نشاط الحركة الوطنية الأزوادية للتوصل لقاعدة حوار مع مالي .. الأمر الذي قُبل بالتجاهل على الصعيد المحلي والاقليمي والدولي ، ووسط عودة المقاتلين الأزواديين ، وفي ظل الفوضى الخانقة في المنطقة نشرت الحركة الوطنية الأزوادية ممثلا بأمانة المكتب السياسي ما وصفوه بالنداء الأخير إلى دولة مالي كمهلة حُددت بشهر للتوصل إلى استجابة سلمية للمطالب والنداءات والدخول في حوار جاد قائم على حق تقرير المصير للشعب الأزوادي .
وهذا عكس ما سعت له مالي التي زادت عسكرة أزواد على النحو التالي :
- إجراء مناورات عسكرية واستعراضات القوة العسكرية في أوساط حواضر التجمعات السكانية والقرى والبوادي .
- إطلاق متكرر لنيران المدفعية ، والتحليق المتزايد والمكثف للطائرات العسكرية .
- ماسبق المناورات بزيادة بناء المعسكرات والمراكز الأمنية في أزواد .
- تجنيد المليشيات ودفع الأموال التي قدمت كإعانات دولية باسم تنمية منطقة أزواد إلى هذه المليشيات .
هذا النهج الذي انتهجته مالي جعل الحركة الوطنية الأزوادية وهي الفاعل الأزوادي الناشط حينه ، بتذكير المجتمع الإقليمي والدولي بعدم استجابة سلطات مالي للنداءات الجادة وتقديم الحركة الدائم للعمل السياسي السلمي أمام نذر الخطر القادم في تجدد مسلح للنزاع الأزوادي - المالي ، كما ذكرت بأهمية دور المجتمع الدولي في حل النزاع وأن يتحمل مسؤولياته
وقدمت تذكيرا بأن الحركة تحتفظ لنفسها بعد كل هذا بكافة الأساليب المشروعة والضرورية للوصول إلى هدفها المتمثل بحق تقرير المصير للشعب الأزوادي .
وختمت الحركة الوطنية الأزوادية تلك الجولة بقولها أن بيان 1 أكتوبر هو البيان الأخير إلى دولة مالي !
توحدّ الثوار .. وحادث مأساوي
عودة الزعيم الأزوادي إبراهيم أغ باهنقا من ليبيا "التي لجأ إليها بعد تنصله من الاتفاقيات الموقعة منذ تمرده 2006 بإشراف جزائري .. وبدأ العمل بعيدا عنها وسمي لذلك باسم مهندس ثورة أزواد وقائد عملياتها" ، مثلت هذه العودة خطوة كبيرة في تفعيل مسار المقاومة المسلحة والكفاح المسلح ضد مالي ..
فشهدت الفترة في أغسطس-2011 عدد من اللقاءات والحوارات التي عقدتها الحركة الوطنية الازوادية "كحركة سياسية" وحركة طوارق شمال مالي التي يقودها أغ باهنقا "كحركة عسكرية " وبمشاركة الشخصيات الاعتبارية والسياسية والعسكرية في المقر الرئيسي للزعيم أبراهيم أغ بهانقا ومواقع أخرى في "تغ تيط " شمال أزواد
اتفق خلالها المجتمعون على تحقيق الوحدة الوطنية في إطار تنظيم سياسي واحد يحمل اسم – الحركة الوطنية لتحرير ازواد – بدل اسم الحركة الوطنية الازوادية – بهدف قيادة الشعب الازوادي للخروج من إحتلال مالي .
وقبل أن يُعلن التفاصيل الكاملة لهذا الاتفاق والإعلان فُجع الأزواديين بحادث مأساوي في 26 أغسطس أودى بحياة الزعيم إبراهيم أغ باهنقا ، حادث غامض ، هللت صحافة مالي واعتبرته نهاية حلم أزواد وبداية ما سمّوه إحلام سلام بطريقتهم .. في حين صرحت حكومة مالي أنها لن تفتح تحقيقا في الحادث معتبرة أنه لا ضرورة في ذلك .. وشاطرتها دول الميدان تلك الرؤية ..
في حين اعتبرت الصحافة العربية الحادث إيذانا للأزواديين للانتقام لزعيمهم ..
وسخرت صحافة مالي من تهديدات الأزواديين واعتبرتها مطالب ستنتهي مع أول لحظة .. تعبيرا عن عدم جدية الأزواديين ..
والغريب من هذا كله أن الأزواديين لم يُعلّقوا كثيرا على وفاة زعيمهم إلا ببيان مقتضب ينعونه فيه ، أو ما نشر باسم مجموعته في وسائل الإعلام … ما يُعتبر أن عزيمة الأزواد جاهزة لإصدار البيان رقم 1 !
تعليقات
إرسال تعليق